Friday, March 28, 2008

ام محمد

هي امرأة مثلها مثل كل ربات البيوت, وعيت عليها و هي تقضي نهارها مهمومة في شغل البيت و مفكرة فيما ستطبخ و قلقة ان كان ما سيعجب زوجها سيعجب اولادها و هل تزيد الملح ام الحامض في هذه الطبخة ام تلك و حائرة ان كان من الأفضل ان تبدأ بالغسيل ام بتنظيف المنزل.
لا اذكر انه كان لها يوماً اي ميول سياسية او انها تحدثت يوماً في السياسة, اذ كان كل عالمها محصوراً في منزلها و عائلتها. لعل اقصى ما قالته "الله يهدي البال" و مؤخراً "الله يعين اهل العراق و فلسطين" لكنها لا تدخل في التفاصيل ففلسطين و العراق في البال و الوجدان و اللاوعي العربي و لكن ام محمد غير معنية مباشرة بالإحتلال و لا تعبأ بالملف النووي الإيراني و لا بأزمة دارفور و كوسوفو, فلا هي محللة سياسية و لا تقرأ الصحف و لا تشاهد او تسمع نشرات الأخبار انما تعرف ان هناك قتل و نفجير و تهجير و احتلال و لكنني اشك في انها تعرف لما يحدث كل هذا فلا تملك إلا الدعاء لله في ان يريح الخليقة.
هي من بيروت, و هي ايضا تتمنى ان يفرج الله كرب اهل بيروت و يكشف قتلة الرئيس رفيق الحريري فيرتاح الناس و يرتاح لبنان. لكنني لم اعرفها يوماً منتسبة الى تيار المستقبل او غيره و لم اذكرها يوما متعصبة مذهبيا او طائفياً. فكلما رأتني كانت تعاملني كإبنها فلا تنفك تدعوني الى الغداء و العشاء مع اولادها و لا تنفك تسألني عن عملي و دراستي و عائلتي و لا تتركني الا بعد ان تطمئن انني بألف خير و لا احتاج الى اي مساعدة و الويل لي ان كنت بحاجة الى مساعدة و لم اطلبها منها .
لم تسألني يوما عن مواقفي و مبادئي السياسية و لم تهتم ان كنت من 8 او 14 آذار و لم تفكر يوما انني من طائفة او مذهب مختلف. اصلا هي لم تهتم يوما بمن انتصر في الحرب الأهلية و من وضع اتفاق الطائف و من عارضه و من وافقه. لم تهتم للإنسحاب السوري و لم تفكر بهزيمة اسرائيل و لم تضع نصب اعينها ان تعرف ان كانت طائفتها هي الأولى في لبنان او لا. هي لا تفكر في التظاهر و النزول الى الشارع و لا تفكر ف التصدي للشارع الآخر. هي تخاف من المتفجرات و من الحرب الأهلية تتذكرها و ترتجف رعباً كلما سمعت احدهم يتحدث عن وقوعها ثانية. لم تهلل لأي زعيم و لم تنزل هاتفة لأحدهم و لم تفكر في تقديم نفسها و اولادها فداء لأحد هؤلاء بوجه اخوانه في الوطن. هي كانت و لا تزال ز ستبقى كلما رأتني تركض لتطمئن علي و على عائلتي ثم تستعرض معي همومها اليومية من مشاكل البيت و متطلباته و حيرتها فيما ستطبخ اليوم و غداً و بعد غداً.
اليوم, شيئ ما تغير, البلاد تعيش ازمة سياسية كبيرة. لا رئيس للجمهورية, و حكومة ناقصة و مجلس نواب لا يجتمع و المشاكل الطائفية و المذهبية في كل مكان. ام محمد لم تعد كما كانت هي ايضا. لم تعد تفكر في امور المنزل و الطبخ و لم اعد اراها كي تسلم علي. ام محمد مريضة, هي لم تعد قادرة على الحراك كما كانت فاستلم اولادها زمام الأمور و تفرغت هي للعلاج. اصبحت ازورها من وقت لآخر للإطمئنان على صحتها دون اي خلفية سياسية او طائفية او مذهبية او حزبية و هي لا زالت تقابلنيبنفس الطريقة الحنونة. تغير الحديث بينا فأصبحت انا من يطمئن عليها هذه الأيام. في نفس الوقت بعض سياسيينا لم يتغير, ما زال يحن الى الحرب و الى الإقتتال الأهلي. ما زالوا يعتقدون ان الناس كل الناس لا زالت تتابع و تسأل و تهتم و تتسلح لقتال بعضها البعض. انما فاتهم ان الناس لا تريد الحرب انما تريد العيش بسلام و الفة و محبة مع بعضها. اصلاً, فاتهم ان الكثيرين لا يهتمون بالسياسة لا من قيب و لا من بعيد.

No comments: